فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ}
قِيلَ فِي قوله تعالى: {لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَخَافُونَ عِقَابَنَا؛ لِأَنَّ الرَّجَاءَ يُقَامُ مَقَامَ الْخَوْفِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: لَا تَطْمَعُونَ فِي ثَوَابِنَا كَقَوْلِهِمْ: تَابَ رَجَاءً لِثَوَابِ اللَّهِ، وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِغَيْرِهِ وَبَيْنَ تَبْدِيلِهِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِغَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي رَفْعَهُ بَلْ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ مَعَهُ، وَتَبْدِيلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِرَفْعِهِ وَوَضْعِ آخَرَ مَكَانَهُ، أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ.
وَكَانَ سُؤَالُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالتَّحَكُّمِ؛ إذْ لَمْ يَجِدُوا سَبَبًا آخَرَ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ وَتَحَكُّمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ عَالِمِينَ بِالْمَصَالِحِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ، أَوْ يُبَدِّلَهُ بِقَوْلِهِمْ لَقَالُوا فِي الثَّانِي مِثْلَهُ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الثَّالِثِ مِثْلَهُ فِي الثَّانِي فَكَانَ يَصِيرُ دَلَائِلُ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةً لِمَقَاصِد السُّفَهَاءِ، وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُقْنِعُهُمْ ذَلِكَ مَعَ عَجْزِهِمْ فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مِثْلُهُ.
وَرُبَّمَا احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ مَنْ يَأْبَى جَوَازَ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} وَمُجِيزُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ مُجِيزٌ لِتَبْدِيلِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
وَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنُّوا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْدِيلُ الْقُرْآنِ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ وَلَا الْإِتْيَانِ بِقُرْآنٍ غَيْرِهِ، وَهَذَا الَّذِي سَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ تَبْدِيلَ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ، وَالْمُسْتَدِلُّ بِمِثْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مُغَفَّلٌ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا بِسُنَّةٍ هِيَ وَحْيٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فَنَسْخُ حُكْمِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ نَسْخٌ بِوَحْيِ اللَّهِ لَا مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيّنَاتٍ} يعني: القرآن، {قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا}؛ يعني: كفار قريش لما سمعوا القرآن قالوا: {ائت بِقُرْءانٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدّلْهُ}، يعني: امحه وانسخه، فإنا نجد فيه تحريم عبادة الأوثان وما نحن عليه.
وهذا قول الضحاك؛ وقال الكلبي: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} يعني: المستهزئين، وكانوا خمسة رهط {قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} يعني: لا يخافون البعث بعد الموت {ائت بِقُرْءانٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدّلْهُ} ائت يا محمد أو اجعل مكان آية الرحمة آية العذاب ومكان آية العذاب آية الرحمة؛ وقال الزجاج: معناه بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور وليس فيه عيب آلهتنا، أو بدل منه ذكر البعث والنشور.
{قُلْ مَا يَكُونُ لِى}، يعني: قل: ما يجوز لي {أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِى}؛ يقول من قبل نفسي.
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ}، يعني: لا أعمل إلا ما أومر به وأنزل عليّ من القرآن.
{إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى}، يعني: أعلم أني لو فعلت ما لم أؤمر به أصابني {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، يعني: يوم القيامة.
قال مقاتل والكلبي: نسختها {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صراطا مُّسْتَقِيمًا} [الفتح: 2]. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا}
قتادة: يعني مشركي مكة، مقاتل: هم خمسة نفر: عبد الله بن أُمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص بن عامر بن هاشم.
قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم {ائت بِقُرْآنٍ} ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وهبل وليس فيه عنهما أي {بَدِّلْهُ} تكلم به من تلقاء نفسك.
وقال الكلبي: نزلت في المستهزئين، قالوا: يا محمد ائت بقرآن غيره ليس فيه ما يغيظنا، أو بدّله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة أو آية رحمة آية عذاب أو حرام حلالا أو حلال حرامًا {قُلْ} لهم يا محمد {مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي} من قبل نفسي ومن عندي {إِنْ أَتَّبِعُ} ما أطيع فيما آمركم وأنهاكم {إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِمْ ءَآيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} يعني آيات القرآن التي هي تبيان كل شيء.
{قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنَا} يعني مشركي أهل مكة.
{ائتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} والفرق بين تبديله والإتيان بغيره أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه.
وفي قولهم ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم سألوه الوعد وعيدًا، والوعيد وعدًا، والحلال حرامًا، والحرام حلالًا، قاله ابن جرير الطبري.
الثاني: أنهم سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، قاله ابن عيسى.
الثالث: أنه سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور، قاله الزجاج.
{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءي نَفْسِي} أي ليس لي أن أتلقاه بالتبديل والتغيير كما ليس لي أَن أتلقاه بالرد والتكذيب.
{إِنْ أَتَّبعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} فيما أتلوه عليكم من وعد ووعيد وتحليل وتحريم أو أمر أو نهي.
{إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} في تبديله وتغييره.
{عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني يوم القيامة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} الآية.
هذه الآية نزلت في قريش لأن بعض كفارهم قال هذه المقالة على معنى ساهلنا يا محمد واجعل هذا الكلام الذي هو من قبلك على اختيارنا وأحل ما حرمته وحرم ما حللته ليكون أمرنا حينئذ واحدًا وكلمتنا متصلة، فذم الله هذه الصنعة وذكرهم بأنهم يقولون هذا للآيات البيّنات، ووصفهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث، ثم أمر الله نبيه عليه السلام أن يرد عليهم بالحق الواضح وأن يستسلم ويتبع حكم الله تعالى ويعلم بخوفه ربه، واليوم العظيم يوم القيامة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا} اختلفوا فيمن نزلت على قولين: أحدهما: أنها نزلت في المستهزئين بالقرآن من أهل مكة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في مشركي مكة، قاله مجاهد، وقتادة.
والمراد بالآيات: القرآن.
و{يرجون} بمعنى: يخافون.
وفي علَّة طلبهم سوى هذا القرآن أو تبديله قولان: أحدهما: أنهم أرادوا تغيير آية العذاب بالرحمة، وآية الرحمة بالعذاب، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم كرهوا منه ذكر البعث والنشور، لأنهم لا يؤمنون به، وكرهوا عيب آلهتهم، فطلبوا ما يخلوا من ذلك، قاله الزجاج.
والفرق بين تبديله والإِتيان بغيره، أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإِتيانُ بغيره قد يجوز أن يكون معه.
قوله تعالى: {ما يكون لي} حرَّك هذه الياء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.
{من تلقاءِ نفسي} حرَّكها نافع، وأبو عمرو؛ وأسكنها الباقون، والمعنى: من عند نفسي، فالمعنى: أن الذي أتيتُ به، من عند الله، لا من عندي فأبدِّله.
{إِني أخاف} فتح هذه الياء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو.
{إِن عَصَيْتُ ربي} أي: في تبديله أو تغييره {عذاب يوم عظيم} يعني في القيامة.
فصل:
وقد تكلم علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على ما بيَّنَّا في نظيرتها في [الأنعام: 15].
ومقصود الآيتين تهديد المخالفين؛ وأُضيف ذلك إِلى الرسول ليصعب الأمر فيه. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} {تتلى} تقرأ، و{بَيِّنَاتٍ} نصب على الحال؛ أي واضحات لا لبس فيها ولا إشكال.
{قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} يعني لا يخافون يوم البعث والحساب ولا يرجون الثواب.
قال قتادة: يعني مشركي أهل مكة.
{ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذا أَوْ بَدِّلْهُ} والفرق بين تبديله والإتيان بغيره أنّ تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه؛ وفي قولهم ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها أنهم سألوه أن يحول الوعد وعيدًا والوعيد وعدًا، والحلال حرامًا والحرام حلالًا؛ قاله ابن جرير الطبريّ.
الثاني سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم؛ قاله ابن عيسى.
الثالث أنهم سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور؛ قاله الزجاج.
الثانية قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لي} أي قل يا محمد ما كان لي.
{أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسي} ومن عندي، كما ليس لي أن ألقاه بالردّ والتكذيب.
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} أي لا أتبع إلا ما أتلوه عليكم من وعد ووعيد، وتحريم وتحليل، وأمر ونهي.
وقد يستدل بهذا من يمنع نسخ الكتاب بالسنة؛ لأنه تعالى قال: {قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسي} وهذا فيه بعد؛ فإن الآية وردت في طلب المشركين مثل القرآن نظمًا، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قادرًا على ذلك، ولم يسألوه تبديل الحكم دون اللفظ؛ ولأن الذي يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان وحيًا لم يكن من تلقاء نفسه، بل كان من عند الله تعالى.
الثالثة قوله تعالى: {إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} أي إن خالفت في تبديله وتغييره أو في ترك العمل به.
{عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني يوم القيامة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} يعني وإذا قرئ على هؤلاء المشركين آيات كتابنا الذي أنزلناه إليك يا محمد بينات يعني واضحات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوتك {قال الذين لا يرجون لقاءنا} يعني قال هؤلاء المشركون الذين لا يخافون عذابنا ولا يرجون ثوابنا لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت وكل من كان منكرًا للبعث فإنه لا يرجوا ثوابًا ولا يخاف عقابًا {ائت بقرآن غير هذا أو بدله} قال قتادة: قال ذلك مشركو مكة، وقال مقاتل: هم خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هشام، قال هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن غير هذا ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وليس فيه عيبها وإن لم ينزله الله عليك فقل أنت من عند نفسك أو بدله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ومكان حرام حلالًا ومكان حلال حرامًا.
قال الإمام فخر الدين الرازي: اعلم أن إقدام الكفار على هذا الالتماس يحتمل وجهين: أحدهما: أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء وهو قولهم لو جتنا بقرآن غير هذا القرآن أو بدلته لآمنا بك وغرضهم السخرية والاستهزاء.
الثاني: أن يكونوا قالوا ذلك على سبيل التجربة والامتحان حتى أنه لو فعل ذلك علموا أنه كان كاذبًا في قوله: إن هذا القرآن ينزل عليه من عند الله.
ومعنى قوله: {ائت بقرآن غير هذا أو بدله} يحتمل أن يأتي بقرآن آخر مع وجود هذه القرآن ولتبديل لا يكون إلا مع وجوده وهو أن يبدل بعض آياته بغيرها كما طلبوه ولما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يجيبهم بقوله: {قل} أي قل يا محمد لهؤلاء {ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} يعني أن هذا الذي طلبتموه من التبديل ليس إليّ وما ينبغي لي أن أغيره من قبل نفسي ولم أومر به {إن أتبع إلا ما يوحى إليّ} يعني فيما آمركم به أو أنهاكم عنه وما أخبركم إلا ما يخبرني الله به وإن الذي أتيتكم به هو من عند الله لا من عندي {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} أي: قل لهم يا محمد إني أخشى من الله إن خالفت أمره أو غيرت أحكام كتابه أو بدلته فعصيته بذلك أن يعذبني بعذاب عظيم في يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ}
قال ابن عباس والكلبي: نزلت في المستهزئين بالقرآن من أهل مكة قالوا: يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك.